عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "لا هجرة بعد الفتح و لكن جهاد و نية و إذا استنفرتم فانفروا رواه مسلم بلفظه و ابو داوود و البخاري بنحوه
شرح الحديث :
معنى الحديث انه لا هجرة بعد فتح مكه و جاء في حديث البخاري مرفوعا (لا هجرة بعد فتح مكه) و كان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة و ذلك ان الهجرة أي مفارقة دار الكفر الى دار الاسلام كانت واجبة على من بمكه فوجب على من اسلم بها ان يهاجر الى المدينة فلما فتحت مكه صارت دار اسلام, اما الهجرة من المواضع التي لا يتأتى اقامة امر الدين بها فهي واجبة اتفاقا
و على ذلك يحمل الحديث (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار). قال الخطابي كانت الهجرة على معنيين : احدهما انهم اذا اسلموا و اقاموا بين قومهم اوذوا فأمروا بالهجرة ليسلم لهم دينهم و يزول عنهم الاذى و الاخر الهجرة من مكة الى المدينة لان اهل الدين بالمدينة كانوا قليلين ضعيفين فكان الواجب على من اسلم ان يهاجر الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ان حدث حادث استعان بهم فلما فتحت مكة استغنى عن ذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يقيموا في اوطانهم و يكونوا على نية الجهاد مستعدين ان ينفروا اذا استنفروا.
قال المصنف : يتضمن الحديث معجزة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و هي ان مكة تبقى دار اسلام لا يتصور منها الهجرة.
(و لكن جهاد و نية) قال الطيبي : المفارقه عن الاوطان المسماه بالهجرة المطلقة انقطعت لكن المفارقة بسبب الجهاد باقية ندى الدهر و كذا المفارقه بسبب نيه خالصه لله تعالى كطلب العلم و قال المصنف تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بالفتح و لكن حصلوه بالجهاد و النية.
(و اذا استنفرتم) أي طلب منكم الخروج للجهاد و يحتمل العموم أي اذا استنفرتم الى الجهاد و نحوه
(فانفروا) أي اخرجوا
عن ابي هريرة عبد الرحمن ابن صخر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن الله تعالى لا ينظر الى اجسامكم و لا إلى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم )) رواه مسلم و ابن ماجه
شرح الحديث :
(ان الله تعالى لا ينظر الى اجسامكم و لا الى صوركم) أي ان الله تعالى لا يثيبكم بها و لا يقربكم ذلك منه فقد قال تعالى "و ما اموالكم و لا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن و عمل صالحا فمعنى نظر الله تعالى هنا مجازاته و اثابته و المعنى ان الاثايه و التقريب ليسا باعتبار الاعمال الظاهرة و انما هي باعتبار ما في القلب
(و لكن ينظر الى قلوبكم) و في الحديث اعتناء بحال القلب و لما كان القلب نحل نظر الرب حق على العالم بقدر اطلاع الله تعالى على ما في قلبه ان يفتش عن صفات قلبه و احواله لامكان ان يكون فيه وصف مذموم يمقته الله بسببه و عمل القلب غيب عنا فلا يقطع لذي عمل صالح بالخير فلعل الله تعالى يعلم من قلبه وصفا مذموما لا يصح معه هذا العمل و لا لذي معصي بالشر فلعله سبحانه يعلم من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه و يترتب على ذلك عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه افعالا صالحه و عدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه افعالا سيئه بل تحتقر تلك الحال المسيئه لا تلك الذات المسيئه
عن ابي موسى عبد الله بن قيس الاشعري رضي الله عنه قال : (( سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يقاتل شجاعة و يقاتل حمية و يقاتل رياء, أي ذلك في سبيل الله ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله - أخرجه البخاري و مسلم رواه ابو داوود و النسائي و الترمذي
معاني الحديث :
الشجاعة : الاقدام على العدو
حمية : غيرة و محاماه عن عشيريه
رياء : ليرى الناس قتاله
شرح الحديث :
(سئل) مبني للمجهول و السائل هو ضمرة الباهلي
(أي ذلك في سبيل الله) أي كائن في طاعته
(فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قاتل لتكون كلمة الله) أي دين الاسلام فان الاسلام ظهر بكلام الله الذي اظهره على لسان رسوله و قيل المراد من كلمة الله دعوته الى الاسلام
(هي العليا فهو في سبيل الله) يدخل في الحديث من قاتل لطلب ثواب الاخرة او رضى الله لانه من اعلاء كلمة الله و حاصل الجواب ان القتال في سبيل الله قتال منشؤه القوة العقلية لا القوة الغضبية او الشهوانية قال المصنف في الحديث بيان ان الاعمال انما تحسب بالنيات الصالحة و ان الفضل الوارد في المجاهدين يختص بمن قاتل لإعلاء كلمة الله
عن ابي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار قلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال انه كان حريصا على قتل صاحبه )) - رواه ابو داود و النسائي عن ابي بكرة و رواه ابن ماجه عن ابي موسى
شرح الحديث :
(اذا التقى المسلمان بسيفيهما) أي قاصدا كلا منهما اتلاف الاخر
(فالقاتل) بسبب مباشرته قتل صاحبه
(و المقتول) لحرصه على قتل اخيه
(في النار) أي كائنان في النار أي ان الله تعالى لم يعف عنهما
(قلت : يا رسول الله هذا القاتل) أي حكمة دخوله النار ان لم يعف الله عنه ظاهره لانه ظلم اخاه
(فما بال المقتول) أي المظلوم
(انه كان حريصا على قتل صاحبه) أي ان المقتول كان عاصيا لانه كان حريصا على قتل اخيه
عن امير المؤمنين أبي حفص عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (( إنما الاعمال بالنيات و انما لكل امرء ما نوى فمن كان هجرته الى الله و رسوله فهجرته الى الله و رسوله و من كان هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه )) - رواه البخاري و مسلم
معاني الحديث :
ينكحها : يتزوجها
شرح الحديث :
(إنما) لتقوية الحكم المذكور بعدها
(الاعمال) هي حركات البدن فتدخل فيها الاقوال و يتجوز بها عن حركات النفس و أوثرت على الافعال لئلا تتناول فعل القلب غير المحتاج للنيه كالتوحيد و الاجلال
(النية) جمع الهم في تنفيذ العمل و للناس فيما يعشقون مذاهب فنية الجهال التحصن من سوء القضاء و نزول البلاء و نية اهل النفاق التزين عند الله و الناس و نية العلماء اقامة الحرمات لحرمة ناصبها لا لحرمتها
(انما لكل امرء ما نوى) لبيان ان الاعمال لا يعتد بها شرعا الا بالنية الموجودة لها و هي لبيان ان جزاء العامل على عمله بحسب نيته من خير او شر و ان العمل لا يجزى الا ان عينت نيته
(فمن كان هجرته) هي تفصيل للاجمال السابق فاذا كان لكل امرء ما نوى من طاعته فلابد من مثال يجمع الاعمال كلها امرها و نهيها. و الهجرة شرعا هي مفارقة دار الكفر الى دار الاسلام خوف الفتنة ووجوبها باق و خبر (( لا هجرة بعد الفتح )) المراد لا هجرة بعد فتح مكة منها لانها صارت دار الاسلام و حقيقتها مفارقة ما يكرهه الله
(الى الله و رسوله) أي قصدا و نية فهو كناية عن الاخلاص
(فهجرته الى الله و رسوله) ثوابا و خيرا فالجزاء كناية عن شرف الهجرة و كونها بمكانة عنده تعالى
(و من كان هجرته لدنيا) أي لتحصيل شهوة الحرص على المال و الجاه
(فهجرته الى ما هاجر اليه) تفيد ان من كانت هجرته لاجل تحصيل ذلك كان هو نهاية هجرته لا يحصل له غيره
(امرأة ينكحها) أي يتزوجها
(فهجرته الى ما هاجر اليه) أي فهجرته قبيحه اذ ليست من الله في شيء و ذلك حظه و لا نصيب له في الاخره و هذا يفيد التحقير و ذم فاعل ما ذكر كما يشعر به السياق بالرغم من ان مطلوبه مباحا لانه اظهر قصد الهجرة الى الله و ابطن خلافه و هذا ذميم