قال الله تعالى :
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
- سورة القصص آية 83
وقال تعالى
وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً
- سورة الإسراء من الآية 37
وقال تعالى
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
- سورة لقمان آية 18
الكبر هو احتقار المرء غيره وازدراؤه له، والكبر على الله كفر بأن لا يطيعه ولا يقبل أمره، فمن ترك أمر الله أو وقع في الذي نهى عنه استخفافًا به تعالى فهو كافر، وأما من تركه لا على سبيل ذلك بل لغلبة الشهوة أو الغفلة فهو عاص. أما الإعجاب هو النظر إلى النفس بعين الكمال والفخر بما فيها من علم أو صلاح صوري أو عندها من مال أو جاه.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال« رواه مسلم.
(لا يدخل الجنة) أي أبدا إن استحل ما يأتي مع علمه بتحريمه، والمراد من في قلبه كبر عن الإيمان. وقيل لا يدخلها ذو كبر: أي حال دخولها، قال تعالى:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ
وقيل لا يدخلها مع المتقين أول وهلة
(من كان في قلبه مثقال ذرة) أي زنة نملة صغيرة أو جزء من أجزاء الهباء
(الكبر) هو بطر الحق وغمط الناس، وبطر الحق هو دفعه وعدم الانقياد له ورده على قائله ترفعًا وتجبرًا، أما لو لم يتضح له حقيقة أمر ولم ينقد له ورده على قائله لا تكبرًا عن الحق ولا ترفعًا عليه بل لعدم ظهور أن ذلك من الحق عنده فلا يكون من الكبر. أما غمط الناس فهو احتقارهم
(إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال) أي فليس ذلك من الكبر: أي إذا لم يكن على وجه الفخر والخيلاء والمباهاة بل على سبيل إظهار نعمة الله امتثالاً لقوله تعالى
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
واختلف في معنى »إن الله جميل« فقيل معناه: كل أمره جميل فله الأسماء الحسنى والصفات العلا. وقيل جميل بمعنى مجمل ككريم بمعنى مكرم.
وقال القشيري: معناه جليل. وقيل معناه جميل الفعال بكم والنظر إليكم، يكلفكم اليسير ويغنيكم عن الكثير وثيب الجزيل ويشكر عليه
(رواه مسلم) في كتاب الإيمان من صحيحه، رواه أبو داود في كتاب اللباس من سننه، والترمذي في البر والصلة من جامعه، والنسائي في السنة من سننه.
عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر« متفق عليه.
(ألا أخبركم بأهل النار؟) أي بأغلبهم والمعنى ألا أخبركم بسماتهم وأفعالهم لتجتنبوها
(كل عتل) أي غليظ عنيف جاف
(جواظ) أي جموع منوع بخيل في يديه، وقيل المختال في مشيته
(مستكبر) إيماء إلى أن داء الكبر يطلبه لنفسه وليس هو له، بل الذي له العبودية والتذلل، والكبرياء لله سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا« متفق عليه.
(لا ينظر الله يوم القيامة) أي نظر رحمة
(إلى من جر إزاره بطرًا) قال الراغب: البطر دهش يعترى من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها
(متفق عليه) أخرجاه في اللباس، وعندهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:»لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء« قال المصنف: والخيلاء بالمد والمخيلة والبطر والزهو والكبر والتبختر كلها بمعنى واحد، وهو حرام. وحديث ابن عمر يدل على أن الإسبال يكون في الإزار والقميص والعمامة، وأنه لا يجوز فيحرم إرساله تحت الكعبين إذا كان على وجه الخيلاء والبطر وإلا فيكره، والمستحب فيما ينزل إليه طرف القميص والإزار من الرجل نصف الساق، فما نزل عن الكعبين فممنوع تحريمًا إذا كان على سبيل الخيلاء وتنزيهًا إن لك يكن كذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »يقول الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما فقد عذبته« رواه مسلم.
(يقول الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي) قال المظهري: الكبرياء غاية العظمة والترفع عن أن ينقاد لأحد أو إلى شيء بوجه من الوجوه، وهذا لا يكون إلا لله. والإزار والرداء متشابهان؛ لأن الرداء ما يلبس به الرجل رأسه وكتفه وأسفل من ذلك، والإزار ما يلبس به الرجل من وسطه إلى قدميه. والمعنى أن العز والكبرياء صفتان مختصتان بي لا يشاركني فيهما غيري كما لا يشارك الرجل في ردائه وإزاره الذين هما لباسه
(فمن نازعني في واحد منهما فقد عذبته) أي يقول الله عز وجل: إن هذين حق لا يستحق واحد منهما غيري، فمن ادعى العز أو الكبرياء فقد خاصمني، ومن خاصمني صار كافرًا عذبته.
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم« رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
(لا يزال الرجل يذهب بنفسه) أي يرفع نفسه ويعتقدها عظيمة مرتفعة المقدار على الناس، ويجوز أن تكون للمصاحبة: أي يرافقها ويوافقها على ما تريد من الاستعلاء ويعززها ويكرمها حتى تصير متكبرة
(حتى يكتب في الجبارين) أي من جملتهم ومندرجًا في غمارهم
(فيصيبه ما أصابهم) أي من العذاب، وأتى به بلفظ ما الموصولة تفظيعًا في الوعيد.